فصل: تفسير الآيات (1- 9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (91- 95):

{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)}
{قالوا يا شعيب ما نفقه} ما نفهم {كثيراً مما تقول} أَيْ: صحَّته. يعنون: ما يذكر من التَّوحيد والبعث والنُّشور {وإنا لنراك فينا ضعيفاً} لأنَّه كان أعمى {ولولا رهطك} عشيرتك {لرجمناك} قتلناك {وما أنت علينا بعزيز} بمنيعٍ.
{قال يا قوم أرهطي أعزُّ عليكم من الله} يريد: أمنع عليكم من الله، كأنَّه يقول: حفظكم إيَّاي في الله أولى منه في رهطي {واتَّخذتموه وراءكم ظهرياً} ألقيتموه خلف ظهوركم، وامتنعتم من قتلي مخافة قومي، والله أعزُّ وأكبر من جميع خلقه {إنَّ ربي بما تعملون محيط} خبيرٌ بأعمال العباد حتى يجازيهم بها، ثمَّ هدَّدهم فقال: {ويا قوم اعملوا...} الآية. يقول: اعملوا على ما أنتم عليه {إني عاملٌ} على ما أنا عليه من طاعة الله، وسترون منزلتكم من منزلتي، وهو قوله: {سوف تعلمون مَنْ يأتيه عذاب يخزيه} يفضحه ويذله {ومَنْ هو كاذب} منَّا {وارتقبوا إني معكم رقيب} ارتقبوا العذاب من الله سبحانه، إنِّي مرتقب من الله سبحانه الرَّحمة، وقوله: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} صاح بهم جبريل صيحةً فماتوا في أمكنتهم.
{ألا بعداً لمدين} أَيْ: قد بعدوا من رحمة الله سبحانه.

.تفسير الآيات (96- 102):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)}
{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} يريد: التَّوراة وما أنزل الله فيها من الأحكام {وسلطان مبين} وحجَّةٍ بيِّنةٍ، وهي العصا.
{وما أمر فرعون برشيد} بمرشدٍ إلى خيرٍ.
{يقدم قومه} يتقدَّمهم إلى النَّار، وهو قوله: {فأوردهم النار} أدخلهم النار {وبئس الورد المورود} المدخل المدخول.
{وأُتْبِعُوا في هذه} الدُّنيا {لعنة} يعني: الغرق {ويوم القيامة} يعني: ولعنة يوم القيامة، وهو عذاب جهنَّم {بئس الرفد المرفود} يعني: اللَّعنة بعد اللَّعنة، وقوله: {منها قائمٌ وحصيد} أَيْ: من القرى التي أُهلكت قائمٌ بقيت حيطانه، وحصيدٌ مخسوفٌ به قد مُحي أثره.
{وما ظلمناهم} بالعذاب والإِهلاك {ولكن ظلموا أنفسهم} بالكفر والمعصية {فما أغنت عنهم} ما نفعتهم وما دفعت عنهم {آلهتهم التي يدعون} يعبدون {من دون الله} سوى الله {وما زادوهم} وما زادتهم عبادتها {غير تتبيب} بلاءٍ وهلاكٍ وخسارةٍ.
{وكذلك} وكما ذكرنا من أهلاك الأمم {أخذ ربك} بالعقوبة {إذا أخذ القرى وهي ظالمة} يعني: أهلها.

.تفسير الآيات (103- 109):

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)}
{إنَّ في ذلك} يعني: ما ذكر من عذاب الأمم الخالية {لآية} لعبرةً {لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس} لأنَّ الخلق كلهم يحشرون ويجمعون لذلك اليوم {وذلك يوم مشهود} يشهده البرُّ والفاجر.
{وما نؤخره} وما نؤخِّر ذلك اليوم فلا نُقيمه عليكم {إلاَّ لأجلٍ معدود} لوقتٍ معلومٍ، ولا يعلمه أحدٌ غير الله سبحانه.
{يوم يأتِ} ذلك اليوم {لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقيٌّ وسعيد} فمن الأنفس في ذلك اليوم شقيٌّ وسعيدٌ.
{فأمَّا الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق} وهما من أصوات المكروبين والمحزونين، والزَّفير مثل أوَّل نهيق الحمار، والشَّهيق آخره إذا ردَّده في الجوف.
{خالدين فيها ما دامت السموات والأرض} أبداً، وهذا من ألفاظ التأبيد {إلاَّ ما شاء ربك} أن يُخرجهم، ولكنَّه لا يشاء ذلك، والمعنى: لو شاء أن لا يخلِّدهم لقدر. وقيل: إلاَّ ما شاء ربك. يعني: إلاَّ مقدار مكثهم في الدُّنيا والبرزخ والوقوف للحساب، ثمَّ يصيرون إلى النَّار أبداً، وقوله: {عطاء غير مجذوذ} أَيْ: مقطوعٍ.
{فلا تك} يا محمَّدُ {في مرية} شكٍّ {ممَّا يعبد هؤلاء} أيْ: مِن حال ما يعبدون في أنَّها لا تضرُّ ولا تنفع {ما يعبدون إلاَّ كما آباؤهم من قبل} أَيْ: كعبادة آبائهم، يريد: إنَّهم على طريق التَّقليد يعبدون الأوثان كعبادة آبائهم {وإنا لموفوهم نصيبهم} من العذاب {غير منقوص}.

.تفسير الآيات (110- 113):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)}
{ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه} هذه الآية تعزيةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتسليةٌ له باختلاف قوم موسى في كتابه {ولولا كلمة سبقت من ربك} بتأخير العذاب عن قومك {لَقُضي بينهم} لَعُجِّل عقابهم، وفُرِغَ من ذلك {وإنهم لفي شك منه} من القرآن {مريب} موقعٍ للرِّيبة.
{وإنَّ كلاًّ} من البرِّ والفاجر، والمؤمن والكافر {لما} يعني: لمَنْ، في قول الفرَّاء، وفي قول البصريين {ما} زائدة، والمعنى: وإنَّ كلاً {ليوفينهم ربك أعمالهم} أَيْ: ليتمنَّ لهم جزاء أعمالهم.
{فاستقم} على العمل بأمر ربك والدُّعاء إليه {كما أمرت} في القرآن {ومن تاب معك} يعني: أصحابه، أَيْ: وليستقيموا هم أيضاً على ما أُمروا به {ولا تَطْغَوا} تواضعوا لله ولا تتجبَّروا على أحدٍ {إنه بما تعملون بصير} لا تخفى عليه أعمال بني آدم.
{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا} لا تُداهنوهم ولا ترضوا بأعمالهم، يعني: الكفَّار {فتمسكم النار} فيصيبكم لفحها {وما لكم من دون الله من أولياء} من مانع يمنعكم من عذاب الله {ثم لا تنصرون} استئنافٌ.

.تفسير الآيات (114- 118):

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)}
{وأقم الصلاة طرفي النهار} بالصبح والمغرب {وزلفاً من الليل} صلاة العشاء قرب أوَّل الليل، والزُّلف: أوَّل ساعات اللَّيل. وقيل: صلاة طرفي النَّهار: الفجر والظُّهر والعصر، وأمَّا المغرب والعشاء فإنَّهما من صلاة زلف اللَّيل. {إن الحسنات يذهبن السيئات} إنَّ الصَّلوات الخمس تكفِّر ما بينها من الذنوب إذا اجتنبت الكبائر {ذلك ذكرى} أَيْ: هذه موعظةٌ {للذاكرين}.
{واصبر} على الصَّلاة {فإنَّ الله لا يضيع أجر المحسنين} يعني: المُصلِّين.
{فلولا كان من القرون من قبلكم} أَيْ: ما كان منهم {أولوا بقية} دينٍ وتميزٍ وفضلٍ {ينهون عن الفساد في الأرض} عن الشِّرك والاعتداء في حقوق الله والمعصية {إلاَّ قليلاً} لكن قليلاً {ممن أنجينا منهم} وهم أتباع الأنبياء وأهل الحقِّ، نهوا عن الفساد {واتَّبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} آثروا الَّلذات على أمر الآخرة، وركنوا إلى الدُّنيا والأموال وما أُعطوا من نعيمها.
{وما كان ربك ليهلك القرى} أَيْ: أهلها {بظلمٍ} بشركٍ {وأهلها مصلحون} فيما بينهم، أَيْ: ليس من سبيل الكفَّار إذا قصدوا الحقَّ في المعاملة أن يُنزِّل اللَّهُ بهم عذاب الاستئصال، كقوم لوطٍ عُذِّبوا باللِّواط، وقوم شعيب عُذِّبوا ببخس المكيال.
{ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} مسلمين كلَّهم {ولا يزالون مختلفين} في الأديان.

.تفسير الآيات (119- 123):

{إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)}
{إلاَّ من رحم ربك} يعني: أهل الحقِّ {ولذلك خلقهم} أَيْ: خلق أهل الاختلاف للاختلاف، وأهل الرَّحمة للرَّحمة.
{وكلاًّ نقصُّ عليك} أَيْ: كلَّ الذي تحتاج إليه {من أنباء الرسل} نقصُّ عليك {ما نثبت به فؤادك} ليزيدك يقيناً {وجاءك في هذه} أَيْ: في هذه السُّورة {الحق} يعني: ما ذُكر من أقاصيص الأنبياء ومواعظهم، وذكر السَّعادة والشَّقاوة، وهذا تشريفٌ لهذه السُّورة؛ لأنَّ غيرها من السُّور قد جاء فيها الحقُّ {وموعظة وذكرى للمؤمنين} يتَّعظون إذا سمعوا هذه السُّورة، وما نزل بالأمم لمَّا كذَّبوا أنبياءهم.
{وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم} أمر تهديد، أَيْ: اعملوا ما أنتم عاملون.
{وانتظروا} ما يعدكم الشَّيطان {إنَّا منتظرون} ما يعدنا ربُّنا من النَّصر.
{ولله غيب السموات والأرض} أَيْ: علم ما غاب عن العباد فيهما {وإليه يرجع الأمر كله} في المعاد حتى لا يكون لأحدٍ سواه أمرٌ {وما ربك بغافل عما يعملون} أَيْ: إنَّه يجزي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءَته.

.سورة يوسف:

.تفسير الآيات (1- 9):

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)}
{الر} أنا الله الرَّحمن {تلك} هذه {آيات الكتاب المبين} للحلال والحرام، والأحكام، يعني: القرآن.
{إنا أنزلناه} يعني: الكتاب {قرآنا عربياً} بلغة العرب {لعلكم تعقلون} كي تفهموا.
{نحن نقصُّ عليك أحسن القصص} نبيِّن لك أحسن البيان {بما أوحينا} بإيماننا {إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين} وما كنتَ من قبل أن يُوحى إليك إلاَّ من الغافلين.
{إذ قال} اذكر إذ قال {يوسف لأبيه يا أبتِ إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم...} الآية. رأى يوسف عليه السَّلام هذه الرُّؤيا، فلمَّا قصَّها على أبيه أشفق عليه من حسد إخوته له، فقال: {يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً} يحتالوا في هلاكك؛ لأنهم لا يعلمون تأويلها.
{وكذلك} ومثل ما رأيت {يجتبيك ربك} يصطفيك ويختارك {ويعلمك من تأويل الأحاديث} تعبير الأحلام {ويتم نعمته عليك} بالنبُّوَّة {وعلى آل يعقوب} يعني: المُختَصِّين منهم بالنُّبوَّة {على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إنَّ ربك عليم} حيث يضع النبوَّة {حكيم} في خلقه.
{لقد كان في يوسف وإخوته} أَيْ: في خبرهم وقصصهم {آيات} عبرٌ وعجائبُ {للسائلين} الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأخبرهم بها وهو غافلٌ عنها لم يقرأ كتاباً، فكان في ذلك أوضح دلالةٍ على صدقه.
{إذ قالوا} يعني: إخوة يوسف: {ليوسفُ وأخوه} لأبيه وأُمِّه {أحبُّ إلى أبينا منا ونحن عصبة} جماعةٌ {إنَّ أبانا لفي ضلالٍ مبين} ضلَّ بإيثاره يوسف وأخاه علينا. ضلالٍ: خطأ.
{اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً} في أرضٍ يبعد فيها عن أبيه {يخلُ لكم وجه أبيكم} يُقبل بكليته عليكم {وتكونوا من بعده قوماً صالحين} تُحدثوا توبةً بعد ذلك يقبلها الله سبحانه منكم.